تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ...) (١٤ : ٤٢) مهما كان الظلم يشعر بشعور ، ام بفطرة او عقل ، ام بوحي النبوة ، وان كانت تختلف بمختلف مراتب الإدراك.
والقاعدة الاصولية العقلية «قبح العقاب بلا بيان» لا يصح أن تعني خصوص بيان وحي النبوة ، فإن وحي الشعور بيان ، ووحي الفطرة بيان ، ووحي العقل بيان ، وإن كان بيان الشرع أشمل ، كما وان تكليفه أعضل.
والآيات التي تعذر العذاب لو لا بعث الرسل ، لا تعني إلا العذاب الناتج عن عصيان هؤلاء الرسل ، لا مطلق العذاب المستحق بعصيان سائر الرسل : شعورا وفطرة وعقلا! وإنما (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٤ : ١٦٥) حجة أننا كانت لنا هدى فوق ما تهدينا إليها عقولنا بالرسل فلما ذا لم تبعث إلينا رسولا ، ثم وحجة ألّا عقاب في عصيان الرسل ولم تبعث الرسل! بل ولا عصيان إذا في خلافهم قبل بعثهم ، بل لا يحصل إذا خلاف.
او تعذر عذاب الاستيصال الناتج عن التخلف الفاحش المتهدم للرسالات.
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (٢٠ : ١٣٤).
علّه أو انه المقصود هنا فحسب ، أو هو القدر المتيقن كما توحي له «ما كنا» ك (لَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ) حيث تعطف الى العذاب الماضي وهو الاستئصال في الدنيا ، ايحاء برحمة رحيمية في سنة دائبة إلهية ألا عذاب في الأولى حتى يبعث رسولا ثم يعصى بما لا تتحملها رسالة ولا حياة انسانية ، وكما توحي له التالية المقررة لظرف هكذا عذاب : وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ...) وَكَمْ أَهْلَكْنا ...) ان إهلاك القرى لا يراد إلا في هكذا عصيانات.