إذا ففي عصيان وحي الشعور ـ كما للطير والدواب ـ عذاب قدره يوم الحشر قليلا ، دون الدنيا والبرزخ إلا قليلا ، وفي عصيان وحي الفطرة والعقل كذلك واكثر قد يكفيه عذاب في البرزخ. وفي عصيان غير فاحش لوحي النبوة عذاب في البرزخ او في الحشر ، ثم وفي عصيان فاحش لوحي النبوة حيث يهدم أركان بناية المجتمع عذاب الاستئصال في الدنيا ثم وفي البرزخ والحشر عذاب دائب اليم ، فالمعذب في الدنيا للعصيان الطغيان يعذب بالأحرى في البرزخ والأخرى ، وليس كل معذب فيهما يعذب في الأولى.
وقد تشمل «ما كنا» عذابي الأولى والاخرى في نطاق التكاليف الرسالية ، لا مطلق العذاب وإن في نطاق التكاليف الثلاثة الاخرى (١) ولا خصوص الأولى ، فكما العذاب الأدنى في التخلف عن وحي الشعور ليس إلا في حاضر الشعور ، ثم أعلى منه في الفطرة ، فأعلى في العقل ، كذلك الأعلى تخلفا عن وحي الشريعة في العصيانات العادية ، ثم التخلف القمة في الأولى قبل الاخرى عذاب الاستئصال والتدمير ، وليس الا في حاضر الرسالة. للقاعدة العقلية «قبح العقاب بلا بيان» الشاملة له ولما قبله.
فلا تعني (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) إلا بيان الرسالة ببلاغها ، إن للمترفين الطاغين فعذاب الاستئصال هنا ام للناس أجمعين فعذاب في الاخرى ، وإن كان القدر المتيقن هو الأولى وفي هامشه الاخرى ،
ثم العصيان في أية رسالة من الرسالات الخمس يخلف وجوب العقاب إذا كان ظلما وتعديا على الخلق أيا كان ، أو جوازه إذا كان تقصيرا بحق الخالق دون خلقه ، ولم يكن في تركه تسوية ظالمة بين المطيع والعاصي ، فالسماح عن بعض المعاصي هو قضية الفضل والرحمة الواسعة كما في المستضعفين (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا
__________________
(١) شعورا وفطرت وعقلا.