فقضية العدل الرباني هو العقاب قدر التخلف وكيانه واثره ، مع ما تقتضيه الرحمة الالهية لانتقاص العذاب او تركه ما لم يخالف العدل ، فالثواب من آثار الفضل والرحمة والعقاب من آثار العدل والرحمة.
والأحاديث المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن المعذورين هنا يكلفون يوم القيامة فيثابون إن أطاعوا ويعذبون إن عصوا ، إنها تخالف الضرورة الإسلامية القائلة : «إن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل» المستفاد من آيات بينات وتواتر الروايات.
ثم لو اعطوا هنا لك عقولا كافية لم يكونوا ليعصوا الله تعالى وهو رسول نفسه دون حجاب الرسالات الاخرى. وهو يوم تكشّف الحقائق وهم يرون مع ما يرون ـ الجنة والنار!.
ثم ان «وما كنا» (١) إنما تنفي عذاب الاستئصال (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ان جواب هكذا عذاب ليس الا في ظرف بعث رسول ، لا أن بعث رسول وعصيانه أيا كان يقتضي هكذا عذاب ، وإنما إذا أمر المترفون ففسقوا ، ف (إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ ...) بيان لنطرف عذاب الاستئصال
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)(١٦).
__________________
(١) قد تكون «كنا» هنا منسلخة عن اي زمان؟ والعذاب واللاعذاب وبعث الرسل زماني! ... او انها منسلخة عن مضيها فتشمل مثلث الزمان ، فهي إذا تنفي مربع العذاب في مثلث النشآت ، الناتج عن عصيان الرسل؟ وهذا اشمل الاحتمالات وأجملها! ... او انها تعني خصوص الماضي دون نفي للمستقبل ، ان السنة الإلهية مستقرة في اللاعذاب الاستئصال في ماضي الاولى او مستقبلها ، ثم الاخيرة هي القدر المتيقن والمورد للآيتين بعدها ، الا ان بعث الرسل بمجرده والتخلف عنهم أيا كان لا يقتضي عذاب الاستئصال ، اللهم الا ان يعنى ظرف الاستئصال انه بلاغ الرسل فعصيانهم المتهدم كما توحيه آية المترفين.