فما كل من يريد العاجلة يؤتاها ، فقد يريدها ولا يؤتاها خسرانا للأولى والأخرى (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (٢٢ : ١١).
وما كل من يؤتى يؤتى ما يشاء وإنما «ما نشاء» حسب المساعي لها والمصالح النوعية فيما يؤتاها : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ).
وترى إن بين آية البخس وآية العاجلة تهافتا فيمن لا يشاء الله أن يعجل له ما يريد؟ حيث الأولى توفي لمريد الدنيا أعمالهم فيها دون بخس وآية العاجلة لا تعجل ما يريده منها إلا من يشاء الله كما يشاء؟
أقول كلا! حيث التوفية في آية البخس للأعمال فقط لا كل ما يريده اهل الدنيا منها وإن دون عمل ، وآية العاجلة تعجل ما يشاء الله لمن يريد : ولا يشاء هذا التعجيل إلا للساعي لها قدر سعيه ، ثم لا يعجّل لكل ساع اللهم إلا من يريد ، فمن الساعين من يحرمه الله بعض سعيه او كله لأن سعيه الى الفساد حيث لا يحتمله المجتمع ، وعدم بخسهم أعمالهم فيها محدد شيئا ما بما إذا لم تكن في توفية عمل ما بخس على الآخرين ، فآية البخس تحدّد التوفية بما يسعى ، وآية العاجلة تعجل قدر السعي كما يقتضيه العدل ، إذا فها متجاوبتان.
فطالب الدنيا يؤتاها بسعيه وقد ينقص او يزيد عدلا وحكمة ، دون فرق بين ناكر الله ومصدقه : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٢ : ١٩٩).