فالطالب حسنة الدنيا طالب للآخرة ، وطالب الدنيا ومريدها للدنيا ما له في الآخرة من خلاق ، كما وان طالب الدنيا بعمل الآخرة ماله من خلاق.
(ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً).
هنا لك في النار من يصلاها خالدين فيها ابدا وهناك من يصطلي بها دون أبد ، وسوف يفنى من يصلاها بفناء النار فلا تبقى إذا لا نار ولا أهل نار ، ومن يصطلي بها خلودا دون أبد يخرج عنها بعد ما ذاق وبال أمره جزاء وفاقا.
فصلي النار إنما هو إيقادها ممن هم حصب جهنم ووقود النار (١) ، لا كل داخل فيها خلودا مؤبدا أم ماذا؟
ومصلي النار قد يكون ألدّه الكفار كما هنا ، وقد يكون (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٦٦ : ٦) يصلون النار بحطبها ووقودها الكفار ، فالأول يصلاها مذموما مدحورا ، والثاني يصلاها ممدوحا محبورا!
لا نجد في سائر القرآن من يصلى النار إلا ألد الكفار : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٩٢ : ١٥) (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (٨٨ : ٢٢) (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (١١١ : ٣) اجل إنهم صلي الجحيم وحصبها : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ...) (٢١ : ٩١) وحطبها : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (٧٢ : ١٥) ووقودها : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (٣ : ١٠).
__________________
(١) لسان العرب الصلاء والصلى اسم للوقود تقول : صلى النار ، واصطلى بالنار استدفأ.