ثم العبودية تزيل حجب النور وحجب الظلمة والرسالة هي هي من حجب النور ، وهو في مقام الدنو والتدلي يتخلى عن الحجب كلها ويتحلى بحلية العبودية في أعلى قممها (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) دون نبيه أو رسوله ، وحيا سريّا سريّا يخصه دون سواه فسرى المعراج تقتضي سرى العبودية.
ومن ثم ما احلى صيغة «عبده» وصبغته وصياغته ان لو لم تكن هنا لك رسالة ، لم تكن هنا لاول العابدين صيغة أجدر من «عبده». ثم لا نجد في القرآن «عبدنا» و «عبده» إلا لصاحب المعراج (١) اللهم الا لداود وأيوب وزكريا ونوح ولكنه في زكريا في ظل رحمة ربك : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (١٩ : ٢) وفي داود تسلية لصبره : اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) (٣٨ : ١٧) وفي أيوب كذلك ذكرى لكي يصبر : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ ...) (٣٨ : ٤١) وفي نوح تصبرا على طول المدة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) (٥٤ : ٩).
فليس إذا «عبده» إلا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كأنه هو عبده لا سواه ، لأنه جامع مجامع العبودية فهو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) كما وأنه هو رسوله لا سواه ، كما تلمح لها آياتهما وتأتي في طياتها.
ثم و «عبده» تقريرا في مقام الإسراء إلى الدرجات العلى ، ولكي لا تنسى هذه الصفة في زهوة الرحلة الفضائية وزهرة المعراج ، وليس لينساه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم ولا يلتبس مقام العبودية بمقام
__________________
(١) «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» (٢ : ٢٣) «وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ» (٨ : ٤١) «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ» (١٨ : ١) تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ» (٢٥ : ١) «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى» (٥٢ : ١٠) «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ» (٥٧ : ٩).