موجودة فلا تنافي فنائهم بفناء النار!.
وقد يقال إن العصيان من حيث المعصي اللامحدود في العظمة والكمال لا حد له فجزاءه الوفاق ايضا لا حد له!
ولكنما العصيان له وجهات ثلاث : من حيث العاصي ، ظرفا ومحتدا عائقا ودافعا أم ماذا ومن حيث نفسه أثرا سيئا ، ومن حيث المعصي ، والمقياس في العقوبة إنما هو موقف العاصي بأثر عصيانه ، فإنه قضية العدل أن يعدل العصيان بالعاصي المتناهي لا المعصي غير المتناهي ، فان رعاية الضعيف فيما له مقاييس اولى من رعاية القوي ، على ان درجة المعصي ليست باختيار العاصي ولا انه يلاحظ ويواجه هذه الدرجة لكي تزيد في عقابه. ثم لو كان المقياس هو المعصي لا صبحت جميع المعاصي كبيرة دون أية صغيرة ، ولبطلت الحدود والديات والتعزيرات المقررة لحدود الجنايات ومواقف الجنات ، ولأصبح كافة العصاة مخلدين في النار أبدا على سواء.
ثم إذا شككنا في المقياس فلا لنا أن نأخذ بالأشد عقوبة والقرآن يحدد العقوبات على قدر السيآت : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٤٢ : ٤٠) مماثلة بين نفس السيئة وجزاءها ، لا بين المعصي فيها وجزاءها ، وهذه المماثلة مستحيلة فان الله تعالى سرمدي وسرمدية العذاب مستحيلة وإن أمكنت أبديتها اللانهائية.
كلّا! وانما مماثلة بين السيئة والعقوبة : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦ : ١٦٠) وما أظلمه من يقيس عصيانه بنفسه وهو أعلى دون العاصي وهو أدنى!
ثم الآيات في أن الجزاء هو العمل او بما يعمل يحدد موقف العقوبة أنها على حد العمل لا المعصي : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٦ : ٧) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٧ : ٩٠) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ