ما دبر ، والكون كله آيات لله لمن فكر ودبر : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤١ : ٥٣).
والآيات الآفاقية هي كل شيء يستدل بها على الله بما يرينا الله برسل الفطرة والعقل والحس الذاتية وسائر الرسل الخارجية ، فهل بعد (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لو كانت الدلالة التكوينية هي المعنية؟! فالفقه هو التوصل بعلم حاضر الى علم غائب ، وغائب التسبيح بالحمد في كل شيء واصل لحد لا يتوصل إليه بأي علم حاضر ، والتسبيح التكويني لكلّ شيء حاضر لكل ذي حجي فكيف (لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)؟
نحن لا نفقه تسبيحهم : قولتهم هذه وفعلتهم وعقيدتهم ، إلّا ان يفقّهنا الله كما فقّه سليمان : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ...) (٢٧ : ١٩) وداود (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٢١ : ٧٩).
وهنا يتحقق أن لكل شيء لسانا أيا كان وان كنا لا نفقه لغاتها ، ثم من وراء اللسان جنان وعمل بالأركان ، تسبّح بحمد ربها وتسجد لربها (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٣ : ١٥) (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١٦ : ٥) (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٥٥ : ٦).
تسبيحات بالحمد وسجودات مخيرين لحدّ لا مسيرين ، وفي ضياع لهم