كنّ القلوب ووقر الآذان لزامان على الذين لا يؤمنون. وهما خسار الظالمين (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢) وليس هناك على الحقيقة كنان على قلب ولا وقر في سمع ، وانما هم لاستثقالهم سماع القرآن حيث يتلى عليهم ويفرغ في آذانهم ، هم كالذين على قلوبهم أكنة دون علمه ، وفي آذانهم وقر دون سمعه ، وإن كانوا أتوا من قبل نفوسهم ، وأخذوا بسوء اختيارهم ، ولذلك ذموا على إطراحه ، ولم يعذروا بالاضراب عن استماعه.
ثم الحجاب المستور عن أعينهم عليها ليس إلّا على الذين يريدون به شرا وضرا حين يقرء القرآن كما هنا (وَإِذا قَرَأْتَ ..) حفاظا على كرامة الوحي وحامله ، وكما في يس حفاظا على نفسه المقدسة : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٣٦ : ٩) أم على حرمته حين يهتك كما قصدته حمالة الحطب فما رأته ورأت أبا بكر فرجعت بعد ما خسئت (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١٨٦ ـ اخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن اسماء بنت أبي بكر ان ام جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله (ص) فقالت يا ابن أبي قحافة ما شأن صاحبك ينشد في الشعر فقال : والله ما صاحبي بشاعر وما يدري ما الشعر فقالت : أليس قد قال : في جيدها حبل من مسد ، فما يدريه ما في جيدي فقال النبي (ص) قل لها : هل ترين عندي أحدا فانها لن تراني جعل بيني وبينها حجاب فقال لها ابو بكر فقالت : أتهزأ بي والله ما ارى عندك أحدا واخرج ابن مردويه عن أبي بكر قال : كنت جالسا عند المقام ورسول الله (ص) في ظل الكعبة بين يدي إذ جاءت ام جميل بنت حرب بن امية زوجة أبي لهب ومعها فهران فقالت : اين الذي هجاني وهجا زوجي والله لئن رأيته لأرضن أنثييه بهذين الفهرين وذلك عند نزول تبت يدا أبي لهب قال ابو بكر : فقلت لها : يا ام جميل ما هجاك ولا هجا زوجك قالت : والله ما أنت بكذاب وان الناس ليقولون ذلك ثم ولت ذاهبة فقلت يا رسول الله (ص) انها لم ترك فقال النبي (ص) حال بيني وبينها جبرائيل. أقول واخرج مثله عديد من رواد الحديث والجامعين.