هو الله ، فكيف ينكرون إحياءهم بعد موتهم وهو أولى من الأولى وأحجى؟ (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ككل لأنه الله الخالق المسخّر المنزل المحيي (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ان الدار الآخرة لهي الحيوان ، فهم رغم عقل الفطرة المفطور فيها ، وعقل العقل وسائر العقل والدرك «لا يعقلون» أخذا للمعقول مأخذ القبول.
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)٦٤.
(الْحَياةُ الدُّنْيا) وهي أدنى الحياة دنوا ودناءة ، هي محصورة في (لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لمن أبصر إليها واخلد عليها فانها تعميه ، ولكنها لمن ابصر بها مبصرة فذريعة للدار الآخرة الحيوان.
وهذه آية ثانية تختص الحيوان بالدار الآخرة أولاها آية الفجر : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي)(٢٤) مما يبرهن أنها اصل الحياة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لكنهم (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
وفي مقابلة حيوان الدار الآخرة بلهو الحياة الدنيا ولعبها تلميحة مليحة ان حياة اللهو واللعب موت ، وهي في الحق موت للإنسانية السامية وفوت لمحاصيلها العالية ، المقصودة بالحياة الدنيا ، وهي التذرع بها للأخرى.
فمن التهى فيها بلهوها ولعبها فهو الميت حقا ومن ورائه (جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (٢٠ : ٧٤) ومن تركهما فيها وابتغي مرضات الله فهو الحي حقا ومن وراءه الجنة خالدا فيها أبدا و (لَهِيَ الْحَيَوانُ) الحياة الدائبة المتحركة دوما نحو الجمال والكمال بما قدمته أيديهم من جمال المعرفة وكمال العبودية. حيث «الفعلان» تلمح إلى حركة ، فكما اصل الحياة حركة ، كذلك حركة الحياة حركة فوق حركة ، وهي الكافلة كل مزاياها