الكاملة بكل زواياها ، الحافلة كل الغايات المسرودة لها ، المترقبة المرغوبة منها ، دائبة الارتقاء إلى كمالاتها دون أية وقفة في تلك الحيوية الأخروية العالية ، وترى كيف تحصر الحياة الدنيا في لهو ولعب وهي مدرسة الصالحين والسابقين والمقربين؟ وحين تحصر هي فيها كما خلق الله فما هو تقصير الملتهين بها اللّاعبين فيها؟
«هذه» هنا المشيرة إلى حياة المشركين وسائر الكافرين ، تخصهما بهم بسوء اختيارهم ، فهي ـ إذا ـ الدنيا الدنية ، ولكنها الدنيا الدانية ـ وهي اقرب حياة إلينا ـ والعالية الزاكية للصالحين الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، إذا فهم دنياهم آخرة ، والطالحون هم آخرتهم دنياهم ، واين دني من دنيا وآخرة من آخرة!
فأهل الآخرة هم في الدنيا : «جزناها وهي خامدة» فنار الآخرة لهم خامدة هامدة ، وأهل الدنيا هم في الآخرة ليست لهم خامدة ، بل هي زائدة مايدة.
اجل والحياة الآخرة هي الفائضة بالحيوية الفائقة التصور ، دون حجب وزحامات وموتات واصطدامات ، مهما كانت الحياة الدنيا حياة إيمانية محضرة لها فضلا عن الملهية ، فبين الحياتين بون بعيد ، والله من وراءنا رقيب عتيد ، ف «يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور» (١) ، وكما ان الحياة الجنينية هي حياة التحضير للدنيا ، كذلك الحياة الدنيا هي حياة التحضير للأخرى ، وكما ان هذه الأدنى هي الحيوان
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٤٩ ـ اخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الايمان عن أبي جعفر رضى الله عنه قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا عجبا ..