للأجنّة ، كذلك تلك الأخرى العليا هي الحيوان لولائد الدنيا ، وهي خير مدرسة بأفضل المدرسين ليستكمل فيها المكلفون حتى يحصلوا على محاصيل الحياة العليا ف (الْحَياةُ الدُّنْيا) هي الدانية إلينا دنوا أكثر من كل حياة عقلية ، لولاها لما كانت الحياة الآخرة هي الحيوان ، كما وهي الدانية دناءة أكثر من كل دانية في الحياة لمن اخلد إليها واتبع هواه وكان أمره فرطا.
فلا هي ذميمة دميمة في حد ذاتها لأنها مدرسة الصالحين ، ولا هي خيّرة في حد ذاتها لأنها ـ فقط ـ ذريعة للدار الحيوان ، فهي حين تتخذ أصلا يبصر إليها ذميمة دميمة ، وهي نفسها حين تتخذ فرعا يبصر بها صالحة مبصرة.
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ ٦٥ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ٦٦.
انهم يعيشون تناقض العقيدة ، أو تناقض الفطرة والعقلية والعملية (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) كمثال على ظرف تقطّع الأسباب إلّا الله (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) مهما كانوا به كافرين (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) عقيديا ام ـ لأقل تقدير ـ عمليا ، ان ينسبوا نجاتهم إلى غير الله من الأسباب التي ضلت عنهم وتقطعت وهم في خضمّ البحر على الفلك!
وهذه التناقضة هي طبيعة الحال لكل من لم يكمل إيمانه مهما كان مؤمنا فضلا عن المشرك والملحد ، فجرس الفطرة يسمعه أن لا إله إلّا هو ، ثم شرس الغفلة والانجذاب الى الطبيعة يصمّه ف (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) ولما ذا؟ (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) اشراكا قاصدا للكفر بالنعمة ، ولكي يأخذوا حرياتهم في التمتع بمتع الحياة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ما ذا قدمت أنفسهم وبه يعذبون.