المكلفين المأمورين بالجهاد فيها.
إذا فللجهاد ترتيب ثلاثي : في سبيل الله ـ في الله ـ ثم الاهتداء إلى سبل الله ، والمحسنون هنا هم (الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ... وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) معية الرحمة الواصبة التي فيها هداية سبل الله معرفية وعلمية وعملية أماهيه ، وهي بصيغة أخرى جنّة معرفية.
ثم «في الله» و «فينا» كما تختلفان رتبة عن (فِي سَبِيلِ اللهِ) كذلك بينهما ، فقد يفوق الجهاد في الله ـ كما في آية الحج للوسطاء الشهداء بين الرسول والأمة ـ يفوق الجهاد فينا كما هنا.
فهو في الله لا يعني إلّا الله لأنه الله ، جهادا معرفيا أو عمليا ، وهو فينا قد يعني صفات الله كما وأسماؤه الحسنى حيث الجمع في «فينا» كاضرابها يعني جمعية الصفات ، ثم هو في سبيل الله أدنى الجهاد مهما عم التكليف به لكافة المكلفين.
ف (الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) هم الوسط بين الذين جاهدوا في الله والذين جاهدوا في سبيل الله ، والجهاد في الله بجمعية صفاته ، ألّا ينحو فيه المجاهد إلّا منحاه ، تغافلا عن نفسه ومناها إلّا إياه ، متدينا إلى الله متدليا بالله ، وعند ذلك (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ككل ، لأنه استخدم جهاده «فينا» ككل ، وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى.
وهكذا يعدنا ربنا ـ ومن احسن من الله وعدا ـ ان الجهاد في الله يخلّف الاهتداء إلى سبل الله ، وهي سبل السلام على ضوء نوره وكتابه المبين ، بتبيين رسوله الأمين : (... قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥ : ١٦).