«الأرض» هنا هي أرض الحجاز بقرينة الروم ، وهم قوم كانوا يسكنون ساحل البحر الأبيض المتوسط بالمغرب ، لهم امبراطورية شاسعة إلى اعماق الشامات وهي سوريا والأردن والقدس ولبنان والعراق الحالية.
ف (أَدْنَى الْأَرْضِ) هي الأدنى من الروم الى الحجاز ، فقد غلب الروم في عقر بلادهم بأبعد الأعماق ، أن حلّقت حرب الفرس على الروم كله فغلبت عليهم في أدناها إلى الحجاز وهي أبعدها من الفرس ، مما يدل على آماد الانكسار الشامل كل بلادهم : و «غلبهم» هنا مصدر بمعنى المفعول إذ احتفت ب (غُلِبَتِ الرُّومُ ... سَيَغْلِبُونَ) ، وغلبهم عليهم بعد ما غلبوا ، في أصلها وفي الوقت المحدد (بِضْعِ سِنِينَ) تحمل ملحمتين اثنتين ، أن يقوم هؤلاء المكسورون المحطّمون عن بكرتهم على سوقهم لحدّ سيغلبون كما غلبوا ، وذلك في أقل من عشر سنين وهي التسع الموافي لغلب المسلمين في بدر ، قرانا منقطع النظير في غلب الضعفاء المؤمنين على الأقوياء الأغوياء المشركين ، وهذان لا يلائمان التقويمات العسكرية في نفس الوقت الذي غلبت الروم انهم (سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ).
(فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ٥.
«بضع» هي مادون العشرة ، من ثلاثة إلى تسعة ، كما في السنة (١) وفي اللغة ، وهذه نبوءة صادقة بائقة تبشر بتلك الغلبة الفائقة ، يعرف الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مداها ، مهما لم يحد في (بِضْعِ سِنِينَ) إلا تقريبا قريبا ، وعلّه كيلا يفاجأ الوحي بتكذيب في عجالة عارمة ، فلقد
__________________
(١) في الدر المنثور ٥ : ١٥١ ـ اخرج في أحاديث عدة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، رواه عنه نيار بن مكرم وقتادة.