كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ٩.
وإذا لم يعلموا هم في أنفسهم إلّا ظاهرا من الحياة الدنيا إذ لم يتفكرا فيها فغفلوا عن الأخرى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) سيرا آفاقيا بعد التغافل عن السير الأنفسي «فينظروا» نظر التعقل والتفكير والإعتبار (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من المشركين أضرابهم ، أن أخذهم عذاب الهون بما كانوا يكسبون وقد (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) عدّة وعدّة (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) إثارة الزرع والعمار «وعمروها» بمختلف العمار (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) وهم كما أنتم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فجحدوا بها (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أن يعذبهم دون حجة (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بما كذبوا وما عذّبوا.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) ١٠.
«عاقبة» خبر مقدم ل «كان» فقد يكون اسمها «السوأى» ام «ان كذبوا» و «السوأى» مفعول أساءوا ، وهي كالحسنى وضدها في المعنى ، مؤنث الأسوء : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤١ : ٢٧) (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) (٣٩ : ٣٥).
فالمعنى على كونها الاسم المؤخر أن عاقبتهم أسوء من حاضرتهم ، فحياتهم الحاضرة سيئة بكفرهم وعذاب الاستئصال ، والحياة العاقبة لهم من الرجعة والبرزخ والقيامة هي السوأى ، أن كذبوا بآيات الله ، فقد كان السوأى عاقبتهم بما كذبوا ، وليست السوأى هي الأسوء من سوئهم لأنه خلاف (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) بل هي الأسوء من دنياهم ، رغم انها دار الحيوان.