البحوث حول الفطرة وميزاتها وأحكامها ، حيث تظهر في مسارح البراهين كاقوى برهان يصدع به القرآن ، حيث لا تقف له القلوب ، ولا تملك رده النفوس ، تلك الحجة البالغة التي تتبناها الفكر والعقول ، ومن ثم كافة الرسالات الإلهية في كل الحقول ، ولولاها لسقطت الحجج عن بكرتها ، وتساقطت البراهين عن برهنتها ، ولأنها أعمق الآيات الأنفسية واعرقها ، حيث تتبناها سائر آياتها ، كما تتبناها الآيات الآفاقية كلها.
فالفطرة هي رأس الزاوية من مثلث الإنسانية بدرجاتها ، ثم الزاوية العاقلة تتبناها وتتكامل على أسها وأساسها ، ومن ثم الثالثة : الشرعة الإلهية هي صبغتها الكاملة السابغة.
الإنسان أيا كان حين يفقد العقل ـ وبطبيعة الحال يفقد الشرعة المتبنّية للعقل ـ ليس ليفقد الفطرة على أية حال ، حال أن العاقل قد يفقد الشرعة ويضل عنها ، فالفطرة حجة ذاتية لا تتخلف ولا تختلف في أصحابها ، ثم العقل تستبطنها وتستنبطها وتوسّع مدلولها ، ومن ثم الشرعة الإلهية ترشدهما إلى تفاصيل مجهولة لديهما وتكملهما جملة وتفصيلا ، فالفطرة حجة اجمالية بسيطة ، والعقل حجة متوسطة وسيطة ، والشرع حجة موسّعة محيطة ، تصل بهما إلى أعلى معاليهما (١٧).
__________________
(١٧) الدين واحد والشرعة هي عدة متشرعة عن الدين الواحد ، ثم الدين أصله دين الفطرة ومن عمالها العقل ، ثم أقوى منهما دين الوحي المخطئ للعقل والمكمل لأحكام الفطرة وقد زوّد به آدم (عليه السلام) إذ لم تشرع له شرعة تفصيلية.
ثم المرحلة الثالثة من الدين هو دين الشرعة ، المحتفظ بأحكام الفطرة ، المقررة بإثبات الواجبات والمحرمات ، والمفرع لكلّ شرعة ومنها بها حسب الحاجيات الوقتية حتى الشرعة الأخيرة التي هي الدين كله بكل التفاصيل الخالدة.