هنا (فِطْرَتَ اللهِ) ذات نسبتين واربع صفات ، نسبة إلى الله : (فِطْرَتَ اللهِ) وأخرى إلى الناس : (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وقد احتفتها اربع صفات : (لِلدِّينِ حَنِيفاً) قبلها و (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) بعدها.
فنسبة الفطرة الى الله توحي بأنها ليست إلّا من صنع الله ، لا صنع ولا تأثير ولا تبديل فيها لغير الله ، كيف وهي ـ فقط ـ خلق الله و (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) فهي وحي تكويني إلى اعمق اعماق ذوات الناس ، كظرف صالح للوحي التشريعي ، وهنا التطابق التام بين كتابي التكوين والتشريع بحق الناس ، فالتشاريع الإلهية كلها تفاسير وتفاصيل لها أجمل في الفطرة ، لذلك فالحق يقال : إن دين الله فطري إذ يتبنّى الفطرة ، ومؤلف الكتابين خلقة وشرعة هو الله الواحد القهار!
ومن ثم نسبة الفطرة الى الناس وبهذه الصيغة السائغة (فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) توحي أنها الأصل والناس فرع عليها ، فكما النطفة هي أصله في البعد الجسماني ، كذلك الفطرة هي أصله في بعده الروحي الانساني.
إم إنّ «عليها» ايحاء بان الفطرة ليست مجعولة بجعل ثان بعد الروح ، بل هي مجعولة بجعل الروح ، وعلّ الأول أوحى حيث يتضمن أصالتها والروح فرع لها وإن كانا مجعولين بجعل واحد ، بل هما أصلا وفرعا واحد إذ لا يتفارقان.
وقد أمرنا بإقامة الوجه لها رخاء ولا نكون من المشركين هنا ، وبصيغ اخرى كما في غيرها : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ
__________________
ـ فأول نبي بعث بشرعة من الدين هو نوح وآخرهم الرسول الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).