النطفة التي خلق منها ، كذلك ـ وباحرى ـ له كيان إنساني اصيل تتبناه روحه وعقله وصدره وقلبه ولبه وفؤاده ، ألا وهي (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
وهذان البعدان هما جوهر إنسانية الإنسان كمزيج من حيوان وإنسان ، والبعد الأصيل بينهما هو بعد الفطرة ، ومن ثم بعد النطفة ، وقد تعنيها آية الذر في «ذريتهم» : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (٧ : ١٧٣) فذريتهم هي فطرتهم تعبيران عن حقيقة واحدة كما في روايات متظافرة (١٩) وتلمح لذلك كصراحة آية الذرية ، وقد نأتي على بحثها كما يناسب بحثنا حول آية الفطرة.
وانها ذرية الأرواح ، أعمق أعماقها وهي الفطر ، فكما للأجسام ذريات هي النطف التي خلقت منها ، كذلك للأرواح ذريات هي الفطر التي فطر الناس عليها ، ومن الفارق بين الذريتين ان ذرية الفطرة لا تتبدل وذرية النطف تتبدل ، وقد فطر الله الأجسام على ذريات النطف ، وفطر الأرواح على ذريات الفطر ، والذريتان هما أصل الإنسان في بعدية ، وسائر أجزاءه الروحية والبدنية فروع ، مهما تأصلت في فترة التكليف.
وميثاق : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) بإجابته : (قالُوا بَلى) هو ميثاق تكويني
__________________
(١٩) نور الثقلين ٤ : ١٨٤ ح ٥٣ عن اصول الكافي باسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن قول الله عز وجل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) ما تلك الفطرة؟ قال : هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربكم وفيه المؤمن والكافر.