والشقوق والفتوق والخروق ، انفصالات متهافتة متفاوتة في خلق الرحمن تحيلها آية الفطور ، والفطر بين شق صالح فوصله صالح ، وبين شق صالح عن فصل طالح ، وخلق الرحمن كله شق صالح ك (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) وقد فلق حب الإنسان ونواه فطرا صالحا بفطرة هي الدين الحنيف القيم.
ثم ذلك الشق في الفطر له ميّز الابتداء الابتداع (١٨) دون مجرد الخلق الأعم من مبتدء مبتدع ، ففيه ـ إذا ـ أوّليتان اثنتان بدء وبدعا ، خلاف سائر الخلق بعد الأولية وغير المبدعة إذ تخلق على مثال ما خلق مثله أوّل مرة ، ولمحة صارحة صارخة لهذه الميّزة في الفطر : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (١٧ : ٥١) حيث الفطر المقابل للإعادة يناسبه البداية ، وليست الإعادة فطرا كما (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٦ : ٢٢) حيث الرجوع العود يقابل الفطر فهو البدء (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢١ : ١٠٤) ، ثم الفطرة هي هيئة وحالة خاصة من ذلك الفطر خصت في آيتها بالناس كما اختصت بالله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
إذا فللفطرة في خلق الناس الأولية المتينة المكينة ، المبدئة المبدعة المزيجة بأصل ذاته ، المدغمة في إنّياته لمكان (فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) دون «فطرها على الناس» أو «فطر معها الناس» أمّاذا من تعابير تجعلها فرعا على ذوات الناس ، ام موازية في فطر الناس ، وانما (فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) مما يبرهن انها رأس الزاوية من كون الناس وكيانهم ، القاعدة الأصيلة من الإنسان أيا كان بقلبه وقالبه.
فكما أن للإنسان كيانا حيوانيا أصيلا تتبناه أجزاءه وأعضاءه ، وهي
__________________
(١٨) لسان العرب عن ابن الأثير الفطر الابتداء والاختراع والفطرة منه الحالة.