ليست الفتنة لتختص بكم ، بل هي تحلق على كافة المكلفين منذ البداية وإلى يوم الدين : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) طول التاريخ الرسالي دونما استثناء مهما اختلفت صور الفتنة (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ ..) أتراه علما هو بالطبع بعد جهل؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا! أم ظهورا لمعلومه لمن لا يعلم؟ وصيغته الصالحة «فليعلم الذين صدقوا ..»! ولا يناسب الفصاحة القمة لكتاب البيان ان يعبر عن ذلك بغير تعبيره الفاصح! ام هي علمه الفعلي دون الفاعلي ، وهو نفس الأمر الخارجي ، فانه من مراتب علمه تعالى؟ وتعبيره الصحيح ـ إن صح انه من مراتب علمه ـ فليحققن الله صدق الصادقين وكذب الكاذبين! ام هي «فليعلمن» بضم الياء وكسر اللام فيهما من الإعلام (١) حيث الفتنة تعلم المجاهيل بواقع الأمر؟ وهو في نفسه صحيح ولكنه خلاف متواتر القراءة!
انها كما هيه بنفس الصيغة المتواترة ، ولكنها من العلم فتحا : العلامة ، دون العلم (٢) ومن آياته انفراد المفعول ، وليس مفعول العلم إلّا جملة تامة ، و «الذين صدقوا ـ كما ـ الكاذبين» ليست تامة ، فقد تعني التأكيد الأكيد للعلامة صدقا في الصادقين وكذبا في الكاذبين ، ف «ل» تأكيد اوّل ، ونون التأكيد ثان ، بهما تتأكد الغاية المقصودة من الفتنة أنها العلامة على الفريقين ، خروجا عن المساوات في (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) مواصلة بين القول والعمل للصادقين ، ومفاصلة للكاذبين ، علما لهم ولسائر المجاهيل الذين لا
__________________
(١) في مجمع البيان قرء علي (عليه السلام) «فليعلمن» بضم الياء وكسر اللام فيهما وهو المروي عن جعفر بن محمد ومحمد بن عبد الله بن الحسن.
(٢) وهكذا نرى في عشر أخرى من الآيات انها تعني العلم ومفاعيلها مفردات كقوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.