ثم والشرعة الإلهية جملة وتفصيلا ، أصولا وفروعا ، ليست إلّا ذكرى ، ولا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا مذكرا : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٥٠ : ٤٥) (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٨٧ : ٩) وأخيرا : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٨٨ : ٢٢) ولا تذكير إلّا بماله اصل سابق سابغ مغفول ، فلتكن الشرعة كائنة في الفطرة مغفولة.
لذلك يسمى كتاب الشرعة ذكرا (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٣ : ٥٨) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٨١ : ٢٨) (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٢١ : ٥٠) (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) (٣٦ : ١١) كذلك وكل كتاب سماوي ذكر : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ..) (٢١ : ٣).
كما وان رسوله ذكر يحمل ذلك الذكر : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ ..) (٦٥ : ١٠) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٣٦ : ٦٩).
يذكر الذكر في القرآن بمختلف صيغة وموارده زهاء (٢٦٧) مرة مما يبرهن واضحة ان كتاب التدوين الشرعة نسخة كاملة عن كتاب التكوين الفطرة ، مهما بان البون بينهما جملة وتفصيلا.
فلنقرء كتاب الفطرة بإقامة الوجه إليها حنفاء لكي تتسهل لنا قراءة كتاب الشرعة ، نقرء كتاب الفطرة بحنف في بنوده العشرة.
ففي إقامة وجه الحس بوجوهه الخمسة ، المفروض إصلاح الحس دون إخلاد فيها إلى الأرض واتباع الهوى ، فليعرف بفطرياته السبع انه في استعمال حواسه أمام محبوب كامل مقتدر عالم منعم منتقم حاضر ، فليكن حاذرا متحضرا في صلاحه على أية حال.