وفي اقامة وجه العقل الى الدين حنيفا لا بد من مراجعة الفطرة في احكامها ، كيلا يخطأ أو يقصر أو يقصّر في تعقله ، ولينظر إلى آيات الله آفاقية وانفسية على غرار الفطرة.
وفي اقامة وجه القلب الى الدين حنيفا لا بد من قطع العلائق العالقة الحالقة الدنيوية لكي تتجلى فيه نور المعرفة ، وهذه الثلاث هي اصول وجوه الإنسان ، حيث القلب قلب بين الصدر قبله واللب والفؤاد بعده ، وهذه حالاته ودرجاته.
وبذلك نرى ربطا عريقا عميقا بين كتاب الفطرة وكتاب الشرعة وكلاهما من صنع الله وفقا لناموس الكون.
فالاعتراف بالربوبية الوحيدة فطرة غير وهيدة في الكيان الانساني ، أودعها الله تعالى في هذه الكينونة الغالية ، فالرسالات ـ إذا ـ ليست إلا تذكيرات لها ، وتحذيرات ، لمن ينحرفون عنها وينجرفون ، فهم ـ إذا ـ يحتاجون إلى تذكيرات وتحذيرات ، فالتوحيد إذا ميثاق معقود بين فطرت الناس وخالق الناس منذ كينونتهم الأولى ، فلا حجة لهم في نقض ذلك الميثاق وحتى لو لم يبعث إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، ولكن رحمته تعالى اقتضت ألّا يكلهم إلى فطرهم إذ قد تنحرف حين تحجب ، ولا إلى عقولهم إذ تنجرف حتى إذا لم تحجب ، فلتلك معصومة في أصلها ، وهذه ليست معصومة.
(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ٣١.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ .. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ـ إقامة بادئة من رسول الهدى ، ناحية منحى كل المرسل إليهم ك (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (٦٥ : ١) و (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (١١ : ١١٢). والإنابة هي الرجوع بنوبات متتاليات ، وإقامة الوجه الى الدين حنيفا بحاجة في كمالها إلى حالة