إلّا بما شرّعه الله لا ما فرقه هو من دين الله ، وهؤلاء كما المشركون تبنّوا دينهم على أهوائهم بغير علم وهم يعلمون ، متجاهلين عن حكم الفطرة والعقل والدين ، ولأن الأهواء مختلفة ، والجهالات متفرقة ، فهم لذلك فرقوا دينهم بكل فرقة فرقة فرقة ، وشيعة شيعة ، وحزبا حزبا (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦ : ١٥٣).
إنه لا تنتهي أنماط الشرك وسبله إلى نهاية إذ لا نهاية للأهواء الجاهلة في هوساتها ، والصراط المستقيم هو إقامة الدين بشرعة واحدة ، مهما اختلفت بعض التصورات الفرعية في بعض الفروعات على ضوء الاجتهادات السليمة فانها لا تضر بوحدة الشرعة في إقامة الدين ، كما أن مختلف الواجبات والمحرمات حسب مختلف الظروف والحالات لا تضرّ بها ، وإنما التنديد في هذه الآية واضرابها بمن يتفرقون في أصل الدين عن هوى جاهلة ، دون اختلاف الاجتهادات في البعض من فروعها عن هدى كاملة ، سنادا إلى الكتاب والسنة ، اللهم إلّا اجتهادات منتخلّفة عن حجة الكتاب وثابت السنة قاصرة أم مقصرة.
ومن جلوات الفطرة بأحكامها حالات الضرّ وتقطّع الأسباب إذ لا أمل فيما كانوا يأملون أو يعملون :
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) ٣٣.
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٢٩ : ٦٦).