وهذه اندفاعة وانابة إلى الله فطريا بتيارات الضر الطائرات أحيانا ، إذ لا يجد الإنسان عندها ملجأ إلّا الله الذي كان ناكره او مشركا به قبلها ، فهنا (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) اتجاها ضاربا بنوبات متتالية وصرخات مدوية لا تنقطع.
(ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) تكشف ضرهم (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) وهم الأكثرية الساحقة (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) سواه قائلين : هذه صدفة طيبة ، ام لو لا فلان لما كشف عني ضري ، أماذا من خربطات القيلات التي هي ويلات على أصحابها ، وترى ما هو موقف «منه» هنا؟ هل هي : من الله؟ ولا ريب في ان رحمة الله هي من الله لا سواه ، ولا سيما أن القائل هو الله ، فقد تلمح «منه» كأن هناك رحمات من غير الله يؤتيها الله لمن مسّه ضر ، ويكأن الله ليست عنده رحمة فيستدينها ممن سواه! «منه» قد لا يعني من الله ، بل هو من ضر مسّه ، ليعلم انها رحمة خاصة بهذا الضر دون مطلق الرحمة التي لا ينالها إلّا الأقربون ، وإنما رحمة من ضرهم ، تخلصهم عنه ، فقد تكون ـ على خاصتها ـ رحمة سلبية ـ فقط ـ هي ازالة الضر الخاص.
فهناك من الضر زحمة بإيجابه ورحمة بسلبه «فإذا أذاقهم منه (الضر) رحمة» تسلبه ...
وقد تعني «منه» ـ اضافة إلى الضر ـ الله سبحانه ، رحمة من الله من ضرّ ، ولا ضير ان يكون ضمن المعنى وعلى هامشه ، إذ لا تلمح ـ إذا ـ ما لمحته أولا ، بل وقد يعنى الثاني أصالة كما الأول كما (.. وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها ..) (٤٢ : ٤٨).ئو «منا» هي لبيان أن الرحمة ليست مستحقة للإنسان أيا كان ، فانما هي فضل من الله دونما استحقاق لأهله ، بل هو إمتحان كما الضر إمتحان.
إذا فأصل المعني في «رحمة منه» هو الرحمة من الله ، مهما كانت بازالة