(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ٣٦.
«رحمة» هنا علّها أعم مما هناك ، فانها مطلق الرحمة وتلك «رحمة منه» وقد تكون خاصة بإزاحة الضّر ، و (فَرِحُوا بِها) مقابل «يقنطون» يتضمن الأمل ، فالناس هنا هم الآملون في إذاقة الرحمة ، القانطون في اصابة السيئة بما قدمت أنفسهم.
تراها كيف تلائم المعاكسة في الآية السابقة القائلة عن الناس أنهم حين يمسهم الضر ينيبون الى ربهم ولزامها الأمل وحين ذوق الرحمة مشركون ولزامه القنوط؟
هنا (رَحْمَةً فَرِحُوا بِها) تعم الفرح المرح ، وقد يتضمن الإشراك بالله ، وغيره الجامع أحيانا مع ايمان دون تمام ، وهناك «رحمة منه» هي المزيلة للضر وهنا فريق منهم يشركون لا كلهم ، ثم وإصابة السيئة حيث تقنطهم قد تجمع القنوط القاحل بنكران الله ، وأخرى القنوط الذي يدفعه للإنابة إلى الله لكي يزول بزوال أسبابه.
ثم الناس هنا غير الناس هناك فإنهم مختلفون في إذاقة الرحمة وإصابة الضر بمعاكسة ، ف (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) (٢٢ : ١١) والناس هنا مثالهم كما (.. وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (٥٢ : ٤٨). ومنهم من يعاكس هؤلاء ، والآية الأولى مثالهم كما (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٤١ : ٥١) ومنهم من هم على سواء في الحالتين ، راضين بمرضات الله ومثلهم : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٥٧ : ٢٣).