فانما كفر الكافر عليه في كل النشآت ، كما صالح الصلحاء لأنفسهم حيث يجزون من فضل الله ، وأولئك يعذبون من عدل الله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) فيبغضهم ، إذ لا تخفى على ربنا خافية حتى يخلوا أحيانا من حب وبغض جهلا بالحال! فمن لا يحبه فهو يبغضه ، ومن لا يبغضه فهو يحبه. وكما «كفر» تعم كفر العقيدة والعمل كذلك (عَمِلَ صالِحاً) إذ لا يصلح عمل إلّا بإيمان.
والإفراد في «عليه» لرعاية اللفظ «من» والجمع في «يمهدون» لرعاية المعنّي منها ، ولما ذا ـ بعد ـ لم يأتيا بصيغة واحدة إفرادا أو جمعا واللفظ نفس اللفظ والمعنى نفس المعنى؟ قد يعني الإفراد في «عليه» التبعة الفردية في الكفر ، والجمع في «يمهدون» المهاد الجمعي في الايمان ، فان أولاد المؤمنين ـ الصغار ـ يلحقون بهم في مهدهم ، ولا يلحق أولاد الكفار بهم ، كما وذرية المؤمنين التابعين لهم بإيمان يلحقون بهم في درجتهم تكريما لهم : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٥٢ : ٤١).
فالرحمة لأنها قضية الفضل هي أعم من الغضب وهو قضية العدل ، لا فحسب في الأخرى بل وايضا في الأولى حيث يشمل برحمته كل مرزوق مؤمنا وكافرا ولا يأخذ بعذابه هنا إلّا الكافر فقد «سبقت رحمته غضبه» بكل سبق وفي كل سباق (٣٦).
ومنءايته أن يرسل الرّياح مبشّرت وليذيقكم (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ
__________________
(٣٦) نور الثقلين ٤ : ١٩١ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ان العمل الصالح ليسبق صاحبه الى الجنة فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه فراشه.