أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ٤٢ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) ٤٣.
اكثر الهلكى الغابرين كانوا مشركين ، والباقون موحدون ، أهل كتاب وسواهم بما كانوا يتخلفون عن شرحة التوحيد ، ولا سبيل للفرار عن سوء العاقبة هنا وفي الأخرى إلّا إقامة الوجه للدين القيم وهو التوحيد الحق وحق التوحيد الذي تتبناه الفطرة والعقلية والشرعة ، كل تلو بعض ولصق بعض في تعاضد ثلاثي سامي.
(فَأَقِمْ .. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) وهو يوم انقطاع التكليف ، بدايته يوم الموت ونهايته يوم الأخرى ، ولأن هذا التكليف قائم على كل مكلف الى يوم الدين ، لم يكن ليخص أحد اليومين ، فمن مات قبل القيامة ف (يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) بادئ له من الموت ، ومن مات في قيامة الإماتة فيوماه يوم واحد ، وهو على اية حال (لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ).
والمردّ هو مصدر ميمي واسم زمان ومكان ، و «من» قد تعني كلا الابتدائية والتجاوز ، فمثلث المردّ لذلك اليوم مسلوب «من الله» إذ لا يرد ، ومن غير الله «من الله» أن نحمله على المردّ.
(يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أصلها يتصدعون ، وهو التفرق والتمزق ، فلا تصدّع يوم الدنيا بما عملوا إذ لا تتفجر وتظهر بحقائقها النارية ، فانما هو يوم بعد الموت برزخا بينه وبين الأخرى ، وجزاء أوفى فيها : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٥٣ : ٤١).
فهنا يتصدعون بكل تصدّع وصداع في أنفسهم ، ويتفرقون بعضهم عن بعض ، ويتفرق الكل عن المؤمنين ففريق في الجنة وفريق في السعير.
(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ٤٤ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) ٤٥.