لأنها دار الجزاء الأوفى ، وإنما (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : عما تكسبه أيديهم ، فكما أن العذاب في الأخرى ليس إلّا نفس ما كسبت أيديهم من آثام كذلك يوم الدنيا.
فهنا الله لا يظهر فساد ما كسبت أيدي الناس لأنه ليس يوم الجزاء ، وإنما (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ـ (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٤٢ : ٣٠) عفوا هنا مؤقتا ثم يظهر في الأخرى ما لا يعفى عنه بمكفرات هنا.
وليس ظلم الناس هنا ـ فقط ـ بالذي يفسد عليهم ، بل وكل دابة (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (١٦ : ٦١).
هذه أبعاد ظلم الناس حيث لا تبقي دابة في الأرض ولا تذر إلّا قضت عليها لو لا تأخيرهم إلى أجل مسمى ، وتأخير العذاب إمهال لمن يتذكر ببعضه هنا ، وإملال على الطغاة وقد يأخذهم عذاب الاستئصال.
وما كسبت ايدي الناس في كل حقل يظهر منه حقله ، ثقافيا ـ عقائديا ـ سياسيا ـ اقتصاديا (٣٤) ، وإمرة علينا (٣٥).
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ
__________________
(٣٤) نور الثقلين ٤ : ١٩٠ عن القمي قال الصادق (عليه السلام) في الآية : حياة دواب البحر بالمطر فإذا كف المطر ظهر الفساد في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي.
(٣٥) المصدر عن ميسر وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال : ذلك والله يوم قالت الأنصار منا امير ومنكم امير.