(وَمَنْ جاهَدَ) طبعا في سبيل الله وفي الله وإلّا لكانت على نفسه لا لنفسه «فانما» دونما إبقاء (يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) فانها سعي لصالحه نفسه في الحياتين ، وليسن لصالح ربه ف (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) والمجاهدة هي المبالغة في الجهاد فانها مفاعلة بين طرفي النزاع ، وليس جهادا دونما منازع ، فهنا نزعات النفس ورغباتها تعرقل المسير ، وكما هناك الرغبات والنزعات الإبليسية خارجة النفس ، والعقل المتبني الفطرة المتأيد بوحي السماء هو المجاهد الوحيد في ميادين السباق بهؤلاء الرفاق الأقوياء ، وحياة المؤمن هي سلسلة معارك الجهاد آفاقيا وانفسيا في سبيل الله ، دونما فترة ولا فطور ، وإلّا لكانت حياة جاهلة قاحلة ، مقلوبة في إنسانيتها فضلا عن إسلاميتها.
فقد تجاهد لله ولا عائدة منها إليك في أمرها إلّا أمرها فتتهاون ـ إذا ـ فيها ، أو قد يشاركك الله في تلك العائدة نصف لك ونصف له فكذلك الأمر وأقوى ، ولكن الله غني عن العالمين و (مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) وما الله إلّا دليل الرشاد وموفق العباد في كل جهاد ، فلما ذا إذا التهاون في سبيل الجهاد.
وما سبيل الله في جهاد وسواه ، إلّا سبيل صالح المجاهد في الله ، حيث يبلّغه مناه ، ويمده إلى مداه ، ويهديه هداه ، وما وعد الثواب للمجاهدين إلّا رحمة من الله وفضلا دونما استحقاق ، فالجهاد بالنفس والنفيس بكل غال ورخيص ، يصلح من نفس المجاهد وقلبه ، ويرفع من تصوراته وآفاقه ، فيستعلي به على الشح ، ويستجيش أفضل ما في كيانه وإمكانه من عدّات وعدّات.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ٧.