عوامل وراثة كامنة في كل خلية تحتفظ بخصائص نوعها دون تفلّت وتبعثر ، محتمّة أن تظل في دائرة النوع الذي نشأت منه دون تطوّر إلى نوع جديد ، كما الاستقراء في حالات الخليّات تؤكد ذلك الحفاظ الصارم لنوعياتها في ذواتها.
فالقطّ أصله قط وسيظل ـ قط ـ قطاّ على طول الخط ، وكذلك الكلب والثور والحصان والقرد والإنسان ، ولا يملك دارون في فرضيته القاحلة الجاهلة إلّا نفسه وأتباعه أنهم هم ـ فقط ـ من القرد ، كما هم عاشوا في صورتهم الإنسانية قردا ، وحتى إذا صح تبدل نوع إلى آخر أم وكان واقعا ، فواقع خلق الإنسان الأوّل حسب النصوص القرآنية ـ وهذه منها ـ إنه بادى من طين ، ولو كان تطورا من حيوان آخر أم من الخلية البسيطة الأولى لكان حقّ التعبير ذكره ، وآيات خلقه صريحة أن بدءه من طين دون حيوان آخر أم شيء سوى طين.
كما وأن خالجة خلق آدم كنسله هو من إنسان قبله ، هذه خارجة عن صراح الآيات ، وما آية اصطفاءه آية انتساله من آخرين : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣ : ٣٣) إذ يكتفى لاصطفائه أن كانت معه زوجه وولده ، ثم «العالمين» الشامل لهم منذ خلق آدم إلى يوم الدين يوسع نطاق اصطفاءه كزملاءه ، فقد اصطفى الله منذ البداية إلى النهاية آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» وهم النبيون والمعصومون أجمعون ، طيّا لأدوار الزمان وأنحاء المكان ، جمعا بين العالمين ككل ، وجمعا بني المصطفين عليهم ككل.
هنا «الإنسان» يعم أصله ونسله ، والفصل بين أصله ونسله أن أصله ـ وهو آدم الأول ـ بدء من طين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ).