يبصرون (أَفَلا يَسْمَعُونَ) إلى هذه الذكريات :
سمع الاتعاظ الإيقاظ؟. أم لا يسمعون إلى أخبار الهلكى في القرون التي مضت؟ وإذا لم يروا إلى الموتى كيف تحيى يوم الأخرى فجولة في الأرض الميتة حين تدب فيها الحياة :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) ٢٧.
(الْأَرْضِ الْجُرُزِ) هي الخاوية عن الإنبات الخالية عن النبات لعدم الماء ، ثم (أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) سوقا جويا ، أم بريا من ظاهر الأرض أم باطنها (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) فلما اجتمع الماء الميت مع الأرض الميتة (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) حيّا من جمع هذين الميتين (تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) ذلك الإحياء المتواتر ليل نهار.
فهذه الأرض الميتة الجافة البور ، هم يرونها يسوق الله إليها الماء المندي المحيي ، فإذا هي ممرعة بالزرع ممتّعة بالحياة ، مما يفتح نوافذ القلب المغلقة لاستجلاء الحياة بعد الممات ، وتجيش مشاعر الإنسان تقبّل تلك الحياة واستقبالها بعد الممات! :
كذلك الله يسوق ماء الحياة إلى أرض الأبدان البالية الجرز فيحييها ويخرج بذلك زرع الأعمال صالحة وطالحة يوم يقوم الحساب ، وهو يوم الفتح للذين آمنوا وانهزام الذين كفروا.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ٢٨.
وما أحمقهم حجة لتكذيب يوم الفتح أن يخبرهم المؤمنون به بمتاه ، بعد ما ثبت أصله ومداه! فهل يصح في قياسهم نكران الولادة للمواليد الذين لا يعلمون متى ولدوا ، أم نكران موتهم إذ لا يعلمون متى يموتون؟ وأيّة صلة بين العلم بمتى يوم الفتح وتصديقه!