«أخاهم» هنا قد تعني أخوّة النسب أو السبب إلى جانب الأخوة المواطنية والإنسانية ، إشارة إلى أنه كان عشيرهم عمرا من قبله ، معروفا عندهم بالأمانة والصلاح ، مما تزيد حجة الآية الرسالية نصوعا ونضوحا.
وحصيلة دعوته الرسالية هي عبادة الله لا سواه ورجاء اليوم الآخر على ضوء الإيمان ، ثم (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أيا كان الإفساد فيها وأيّان ، والعمدة في إفسادهم بعد العقيدي منه هو البخس في المكيال والميزان ، إفسادا اقتصاديا تتهدم به العيشة الجماعية ، خلقا للطبقية العارمة الظالمة ، (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) بديارهم (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) : قاعدين باركين على الأرض ميتين.
(وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ٣٨.
وليس فقط يزين سوء الأعمال فيرونها حسنا ، بل وحسنها حيث يزينها لهم أكثر مما هي ، فيغترون بها ولا يبالون بما يعتريهم من سوء : «ولا يغرنك تزيينه الطاعات عليك فانه يفتح لك تسعة وتسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المأة ، فقابله بالخلاف والصد عن سبيله والمصادة باستهوائه» (١).
فكلما يزينه الشيطان من أعمال خيرة وشريرة ، هي ذريعة للصد عن السبيل ، فحذار حذار من تزيينه وتسويله كيلا تقعوا في فخه وأنتم تحسبون انكم تحسنون صنعا وأنتم مستبصرون تطلبون البصيرة ، وتعمى عليكم المسالك بما زيّن لكم الشيطان أعمالكم ، فأنتم ـ إذا ـ من الأخسرين اعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
__________________
(١) مصباح الشريعة قال الصادق (عليه السلام) بعد ان ذكر الشيطان : ...