وقد تعني (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أن عادا وثمود كانوا قبل أن (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) كانوا على بصارة وهدى فطرية وعقلية ، أم وشرعية ، إلّا أنها ما كانت ناضجة قويمة ، وعلى أية حال فمسرح التزيين من الشيطان خطير خطير ، لا ينجو منه إلّا من عصمه الله وهداه ، وهو التارك هواه إلى هداه إلى الله (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) ٣٩.
ذلك الثالوث المنحوس ، القارونية الفرعونية الهامانية (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) كلّ على حدّه ومدّه ، استكبار الثراء والسلطة الملكية والوزارة الفرعونية ، ولكنهم مهما زمّروا وأبرقوا وأرعدوا وعربدوا (ما كانُوا سابِقِينَ) على مشيئة الله :
(فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ٤٠.
«فكلا» من هؤلاء واضرابهم في الاستكبار «أخذنا» ه «بذنبه» هنا ، وأخذهم في الأخرى أخزى (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) وهم قوم لوط : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ) (٥٤ : ٣٤) فالحاصب ـ إذا ـ حجارة من طين (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) ومنهم ثمود (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٥٤ : ٣١) ومنهم عاد : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) (١١ : ٩٤) ومنهم أصحاب ياسين بانطاكية إذ