الرياح وهاجت عليها الأعاصير ، وإذا مر بها الذباب التقطته بمادتها اللزوجة ولم يؤثر على الشبكة حركتها (١) ، ذلك طرف من إتقان العنكبوت في هندسة بيتها على أنه أوهن البيوت ، وضرب المثل هنا جاء من واجهة وهنه دون إتقانه ، وإذا كان أوهن البيوت المبنية بالغريزة الحيوانية بذلك الإتقان فكيف يكون ـ إذا ـ أقوى البيوت؟
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٤٢ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) ٤٣.
ولأنه يعلم تماما ما يدعون من دونه من شيء ، فإنه هو الذي خلقها ، لذلك يحكم أنها كبيت العنكبوت أوهن البيوت ، لا وهنا في خلقه كفعله تعالى ، وإنما وهنا لكل مخلوق أمام الخالق العزيز الحكيم ، مهما كان من الإتقان ما يحير العقول.
و «ما» هنا تحتمل انها موصولة او استفهامية أو مصدرية أو نافية ، ولكن «من» تنفي كونها نافية إلّا إذا كانت زائدة ولا زائدة في القرآن بلا عائدة ، وحتى إذا كانت للتأكيد فالمعنى أن الله يعلم انهم لا يدعون من دونه شيئا أبدا ، رغم أنهم يدعون من دونه كل شيء حتى الموحدين غير الحقيقيين فضلا عن الملحدين والمشركين.
ثم الثلاثة الأول قد تكون كلها معنية ، فهو يعلم الذي يدعون من دونه من شيء ، ويعلم ما ذا يدعون .. ويعلم الدعوة من دونه ، علما شاملا لا يبقي كائنا ولا يذر إلّا ويشمله بكمه وكيفه ، بزمانه ومكانه ، بكونه وكيانه ، وذلك قضية عزته وحكمة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقد يعني النفي في «ما» بتأكيد «من» انه يعلم انهم لا يدعون من دونه من شيء ، إنه ليس شيئا يدعى من دون الله ، فان شيئيتها ليست إلّا عارية من الله دونما استقلال
__________________
(١) المصدر ناقلا عن كتابه جمال العالم.