فالأمثال المضروبة في القرآن ، فضلا عن حقائقه المجردة ، إنما تعقل بالعلم على درجاته ، علم الفطرة والعقل والايمان وسائر العلم الذي به تكشف الحقائق حسب درجات الفاعليات والقابليات ، فالعلم أيا كان مستخدم لعقل الحقائق ، كلما ازداد عقلها فالإيمان بها ، فتلك الأمثال ليست مجرد تمثيلات شعرية ودعاوى خاوية ، بل هي حجج بدورها توضّح الحقائق البعيدة عن العقول.
ولأن التفكر والتذكر هما من شئون العقل والعلم : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١٤ : ٢٥) (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٥٩ : ٢١) فالعالمون ـ إذا ـ هم الذي يتفكرون ويتذكرون ، علما فتفكرا فعقلا فتذكرا فإيمانا! وعلى حد تعبير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» (١).
(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ٤٤.
«خلق» ـ «بالحق» ـ «الله» ـ «بالحق» ـ (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ـ «بالحق» ـ ف «بالحق» لها هنا تعلقات ثلاث ، والباء فيها بين سببية وغائية ومصاحبة ، فما السبب والغاية في خلقهما إلا الحق ، دون باطل هازل ، وما هما في خلقهما إلّا مصاحبتين للحق.
فحق الخلق فيهما مصاحبا اتقانا ونظاما بارعا وتصميما حكيما قاصدا
__________________
(١) المجمع روى الواحد بالإسناد عن جابر قال : تلا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية وقال : ...