الغابرين ومصارعهم ـ ان يتلو ما أوحي إليه من الكتاب ويقيم الصلاة ، معللة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتأكيدا أن ذكر الله أكبر (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) إزاحة لما تخالجه من صعوبات الدعوة لقوم لدّ ، فما هي تلاوة الكتاب؟ وما هو نهى الصلاة ، وما هو هنا ذكر الله ، ومم هو اكبر؟
التلاوة ليست هي ـ فقط ـ القراءة ، بل هي ـ ككل ـ متابعة الشيء أن يجعله أمامه وإمامه ، فهو يكون تابعه وخلفه كما (الشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (٩١ : ٢) (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (١١ : ١٧) حيث القمر لا يقرء الشمس ، وشاهد من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقرءه ، وإنما هي متابعة المأموم إمامه ، ان يجعله أمامه في كل الحقول والحالات أم في قسم منها مقسّم حسب قضية الائتمام والإمامة.
ف «اتل» هنا دون (اتْلُ عَلَيْهِمْ) تعم تلاوة الكتاب لنفسه ان يجعله إمامه ، وتلاوة الكتاب عليهم ان يقرءه عليهم ليجعلهم تالين الكتاب ، والأولى هي الأولى في طبيعة الرسالة ، فما لم يتلوا الرسول ما اوحي اليه من الكتاب ائتماما به ككل ، ليس عليه ولا له أن يتلوه عليهم ، حيث الآمر بائتمام الكتاب عليه ان يأتمر من قبل حتى يأمر.
فهو يتلوا في نفسه الكتاب تعلما وتزكيا ، ثم (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) كما (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) فإن «رتل» تقتضي ترتلا أولا ثم ترتيلا لآخرين ، وهو فيهما تحريك القلب بالقرآن كما يروى عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١).
ثم (ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) تختص التلاوة بما مضى وحيه ، ولأن «أتل» أمر
__________________
(١) حيث يسأله ابن عباس عن معنى الآية فقال : يعني حركوا به القلوب.