رسالي يستمر طول رسالته ، فقد أمر بها أن يتلو كلما اوحي اليه طول الزمن الرسولي ، ولأن وحي الكتاب مستمر حتى ارتحاله إلى جوار ربه ، فالتلاوة ايضا مستمرة كوحي الكتاب ، فهو دائب في مثلث الوحي وتلاوته لنفسه وتلاوته عليهم ، وقد قرّرت هذه التلاوة ككلّ رسالته (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) (٢٧ : ٩٢).
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ) هنا لها أبعاده عدة ، صلة الى حال الرسول ، وتلاوته الكتاب ، فحاله المتأذية من تعنّد قومه اللّد تقتضي رياحة وهي الحاصلة بالصلاة ، لأنها صلات بالرب ، واطمئنان للقلب المتأرجف برجفات المتخلفين عن شرعة الله ، وهكذا «كان إذا غمه أمر استراح إلى الصلاة» وبعد ثان أنّ أنتج ما تنتجه تلاوة الكتاب لنفسه وعليهم هو إقام الصلاة فانها عمود الدين ، و «أقم» هنا تجعل الصلاة مقامة بشروطها وأجزائها وأركانها ظاهرة فقهيا وباطنة معرفيا ، فقد تؤتى الصلاة دون إقامة ، وهي الصلاة في سكر أم في كسل ذلك بأنهم : (لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) (٩ : ٥٤) فهي صلاة قاعدة ، متخلفة عن القاعدة فيها وهي إقامتها ، وهي ـ في الحق ـ ليست إلّا التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، مهما شملت الصلاة كل صلاة بريئة عن النفاق ، وقد «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ان فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : انه سينهاه ما تقول» (١) وهذا من اقل ما تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر واقل منه ان «الصلاة حجزة الله وانها تحجز
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٤٦ ـ اخرج احمد وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال جاء رجل ... وفي نور الثقلين ٤ : ١٦٢ عن مجمع البيان وروي ان فتى من الأنصار كان يصلي الصلوات مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ان صلاته تنهاه يوما ما.