كما وأهم من كل ذلك اتجاه القلب إلى الله حضورا عنده في الصلاة ، ينهاه عن كل فحشاء ومنكر قلبي قدر ذلك الحضور والاتجاه.
وكضابطة عامة قالات الصلاة وفعالاتها وحالاتها ، إذ كانت مقامة ، إنها بأقدارها وحدودها تنهى عن الفحشاء والمنكر قالا وفعالا وحالا ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى). فالصلاة بكل أحوالها وأفعالها وأقوالها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، انتهى المصلي بنهيها أم لا ، فقد تنهي الفحشاء والمنكر بما تنهى وذلك لمن ينتهي ، وقد لا تنهي رغم ما تنهى ، فالنهي ـ إذا ـ طبيعتها ، والإنهاء قد يتخلف عنها فإنها تنهى دون تسيير وكما الله ينهى ورسله والدعاة إليه تخييرا دون تسيير.
وحين تقام الصلاة بكل ما يتوجب فيها بظاهرها وباطنها ، وتكون مزيجا لنفس المصلي بظاهرها وباطنها ، إذا فهي تنهي بنهيها الفحشاء والمنكر ، من فحشاء العقيدة والأخلاق والأعمال والأقوال ، وهي المتجاوزة حدها في التخلف عن شرعة الله ، أو المتجاوزة إلى غير العاصي ، ام المتجاوزة في بعديها ، والمنكر هو كل ما تنكره الشرعة صغيرة وكبيرة ، وهو هنا أدنى من الفحشاء.
ولأن جوهرة الصلاة هي ذكر الله ، وسائر ما فيها إنما هي تعبئة وتقدمة لذكر الله ، إذا (وَلَذِكْرُ اللهِ) ـ وهو الصلاة ككل ـ «اكبر» من ذكر غير الله ، وغير ذكر الله ، كما وان «ذكر الله» في الصلاة غير التامة في الذكر ، انه اكبر من سائر اجزاء الصلاة ، كما وهو اكبر من كل ذكر وذكر كل كما (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢٠ : ١٤) فذكر الله هو الرادع عن الفحشاء والمنكر ، وكلما كان ذكر الله اكثر وأقوى ، كان نهيه عن الفحشاء والمنكر اشمل وأحوى ، وليست المعصية على أية حال إلّا بنسيان ذكر الله ، والغياب عن حالة الحضور ، ف «اعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك».