تزول عنه سائر الحجابات بينه وبين الله وهي الفحشاء ، كذلك يزول عنه حجاب نفسه بينه وبين الله وهو المنكر ، فلا يبقى بينه وبين الله أحد حتى نفسه :
بيني وبينك إني ينازعني |
|
فارفع بلطفك إني من البين |
وأعلى القمم من ذكر الله ما حصل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في معراجه حين (دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) ففي دنوه أزال حجابات الفحشاء وهي التوجه إلى غير الله ، وفي تدلّيه أزال حجاب نفسه وهو التوجه إلى نفسه ، فأصبح بكلمة منمحيا في الاتجاه إلى الله فلم يبق بينه وبين الله إلّا حجاب ذات الألوهية الذي لن يرتفع لمن سوى الله.
مقام (دَنا فَتَدَلَّى) هو قضية أن يذكره الله فيعصمه ، وقبلهما من مقامات القرب والحضور هي قضية أن يذكر هو الله ، والعصمة حصيلة الذكرين ان تذكر الله كأعلى القمم المستطاعة لك فيذكرك الله ، ذكرا على غرار الذكر فانه فيهما درجات ، و (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) تلمح أن قدر ذكر الله لك هو قدر ذكرك الله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) و «ان السابقين الذين يسهرون بذكر الله عز وجل ومن أحب ان يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل» (١). فالصلاة بدرجاتها تنهى عن الفحشاء والمنكر بدركاتهما ، من فحشاء ومنكر قالبيين قالا وافعالا ، وقلبيين أحوالا ، إلى أن تصل إلى خرق الحجب ، ثم وخرق حجاب نفسك ، فتصل إلى القمة المعرفية وهي خاصة بصاحب المعراج.
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٦٢ عن معاذ بن جبل وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يا معاذ ان السابقين ... وعنه قال سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اي الأعمال أحب إلى الله؟ قال : ان تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجلّ.