خلقوا ، كما ان مضارعه : «يسبح» في سواها ، للدلالة على استمراره دون انقطاع ما وجدوا ، فالخلق ، بما انه فعل الله ، انه تسبيح لله بذاته وصفاته الخلقية ، يسبحه عما ينافي العزة والحكمة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
ومن ثم فهذه التسبيحة الشاملة من الكون كله في مطلع السورة توحي بأن شريعة الإسلام ـ وهي الأخيرة من شرائع الدين ـ انها تشمل كل ألوان التسابيح لله العزيز الحكيم ، فالأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي ـ إذا ـ أمانة الكون كله ، وانها تتجاوب ما في السماوات وما في الأرض إذ سبح ويسبح لله كله ، فالتنديد بالمؤمنين بهذا الدين ، لو تركوه أو بعضه ، يكون أشد مما على الخلق كله ، وهنا التنديد بآية شاملة :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) :
تقول الآيات والروايات إنها نزلت في جماعة من الذين آمنوا ، يتمنون ان لو كتب عليها القتال ، فلما كتب كرهوه وتمنوا خلافه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٤ : ٧٨) (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) (٤ : ٨١).
هذا وكما توحي به التالية لآية المقت أيضا : آية البنيان المرصوص ، ولكنما النصوص القرآنية أبعد مدى من الحوادث المفردة الماضية التي تنزل الآيات لمواجهتها ، فعلينا أن نسير في مسيرات مدلولاتها العامة والمرسلة ، دون أن