فجواري البحر من آيات الرحمان ورحماته : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ. إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٤٢ : ٣٣) أو إن يشأ يغير البترول ، أو أيا من المحروقات فيظللن رواكد على ظهره ، أو يغير الماء ، أو يثير الريح المجنونة ، أو يخل بشيء مما له دخل في جريانها ، فيظللن في ضلال بأصحابها رواكد على ظهره.
فالله هو المسخر لنا الفلك : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) (١٤ : ٣٢) (يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (١٧ : ٦٦) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) (٣١ : ٣١) فمن ذا الذي يحفظها في خضمّ البحر وثبج الموج إلا الرحمان ، ومن ذا الذي يقرها على سطحه المتماوج ، ويجريها بالرياح المتهايج إلا الرحمان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) : كهذه المنشآت للإنس والجان ، التي تحمل رحمات من الرحمان.
فلو لا أن هناك في البحر منشآت للجان كما للإنسان ، أو أنهم يركبون منشآت الإنسان لم تكن هي من آلاء الرب لهما فكيف كان عليهم الامتنان؟! فالجان إذا شركاء الإنسان في منشآت البحر كالأعلام : الآثار المعلمة التي تدل الضلال من قريب أو بعيد ، فكما النجوم هدى سماوية في ظلمات البر والبحر ، كذلك هذه المنشآت فإنها كالأعلام : أعلام البحر وجباله ، كجبال البر وأعلامه.
فقد كانت الجواري ولا تزال من أعظم النعم وأوفر المنن ، التي يسرت أسباب الحياة ، وهي من يسر الناقلات : البرية والجوية ، تكليفا ، ومن أكثرها حملا وتخفيفا عن أثقال الحياة.
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) :
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها) : من ذوي العقول جنا وإنسا أمّن ذا؟ «من عليها» ترى
(الفرقان ـ ٣)