(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) :
ملامح هذه الآية وما بعدها ، ومصارحها أيضا ، تشهد أنها نزلت تنديدا ببعض المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم وأهليهم ، وظلت نفوسهم مشدودة عالقة إلى بعض من خلفوا هناك من الأهلين ، فاتخذوا مشركي مكة أولياء ، يعتاضون بولايتهم الحفاظ على أهليهم ، ومنهم ـ كحاطب بن أبي بلتعة ـ من ألقى إليهم بالمودّة ، فلم يكتف هذا الذليل الهزيل الإيمان بموادتهم ، فقد تخطاها إلى إلقاء أسرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم بالمودة ، يتسقطهم أسراره ذات الخطورة ، فإلقاء المودة شيء ، والإلقاء بالمودة شيء آخر يتطلب مفعولا به محذوفا ، وما هو إلا أسرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكما تقول الروايات (١) ، كما وأن نفس
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٠٣ ـ أخرج أحمد والحميدي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معا في الدلائل عن علي (ع) قال : بعثني رسول الله (ص) أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فائتوني به ، فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : اخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، قلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي (ص) فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي (ص) ، فقال النبي (ص) : ما هذا يا حاطب؟ قال : تجد الجواب في المتن.
وروى القمي أن حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم وهاجر الى المدينة وكان عياله بمكة وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله (ص) ، فصاروا الى عيال حاطب وسألوا أن يكتبوا الى حاطب يسألوه عن خبر محمد هل يريد أن يغزو مكة؟ فكتبوا الى حاطب يسألوه عن ذلك ، فكتب إليهم حاطب : إن رسول الله (ص) يريد ذلك ، ودفع الكتاب الى امرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها ومرت ، فنزل جبرئيل على رسول الله (ص) وأخبره بذلك ، فبعث رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) ...