(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
المعشر هو الجماعة العظيمة والكثرة الكاملة ، فهل الخطاب به في محشر القيامة ، إذ يحشرون كاملة أجمعين؟ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) (٦ : ١٢٨) (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ..) (٦ : ١٣٠) أو أن الخطاب يشمل المعشرين : يوم الدنيا ويوم الدين؟
قد يكون. حيث تتحمله الآية في مغزاها.
وهل الآية تبشير للأنس والجان بملحمة غيبية هي إمكانية غزو الفضاء بسلطان علمي أو إقدار بتقدير الرحمان أم ماذا ، فهي خاصة بيوم الدنيا؟.
فهي لا تمت لهما بصلة بما احتفت به من إنذار وتهويل بعذاب يوم الدين : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ .. يُرْسَلُ عَلَيْكُما .. فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ .. وأين هكذا تبشير من هذا الإنذار؟.
ثم النفوذ هنا «من» : خروجا عن أقطار السماوات والأرض إلى غيرهما ، لا «في» : دخولا في أقطارها غزوا لها ، ثم النفوذ فرار من جهة الى اخرى كما ينفذ السهم ، وليس غزو السماء فرارا منها إلى الأرض ، ولا من الأرض إلى نفسها ، وإنما غزو السماء تزويد وتحكيم لقرار علمي سلطوي في الحياة الأرضية على السماء : أن بإمكان ساكن الأرض وما كنها غزو السماء.
فالآية لا تمت بصلة لما تهواه غزاة السماء وإنما هي آية الشورى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٤٢ : ٢٩) إذ تعد بالجمع بين دواب الأرض والسماء ، لا تلك التي توعد محاولي النفوذ بإرسال شواظ من نار! فهل هو بعد وعد لغزو الفضاء مع وعيد النار؟.
ثم ولما ذا محاولة النفوذ من تلكم الأقطار؟ أفرارا من حساب الجبار وعذاب النار؟