فقد يحدد كل ميزان بالحد الذي تحدده قرائنه : وزنا ومعيارا وموزونا ، جمعا وتفريقا ، جملة وتفصيلا.
ثم الميزان ـ أي ميزان ـ في الأرض ، لانسانها وجانها ، انه مأخوذ من ميزان السماء ، فحساباتها الجسمانية مأخوذة عن مدارات الشمس ، والروحانية منها تؤخذ عن شموس التشاريع السماوية (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ)!.
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) :
ترى أن الأنام هنا ـ ولا توجد في سواها ـ هي الإنسان كما قد يرام؟ وليس وضع الأرض حاصرا فيهم ، والأرض هنا محصور للأنام (١)! وقد خلق قبلهم الجان : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (١٥ : ٢٧) فقد كانت الأرض لهم قبل أن تكون للإنسان! اللهم إلا أن يعنى به جنس الإنس بأنساله ، والمخلوق بعد الجن هو النسل الأخير ، إلا أنه لا يختص به خلق الأرض وله مشارك فيها وفي التكليف سواء ، حتى ولو خلق قبل الجن! اللهم إلا اختصاص التشريف ك (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢ : ٢٩) ولكنها تختلف عن آية الأنام الحاصرة لهم وضع الأرض! اللهم إلا في تشريف مستغرق ، يدمج سائر مشاركيه فيه ، إلا أن «كما» في آية الآلاء تصريحة بشمول الأنام للإنس والجان ، فليس للجان ذكر مسبق على آيتها الاولى ، إلا أن تعنيه الأنام قبلها ، فلتشملها الأنام.
ثم وهل تشمل كل دابة ، أو كل حي من طائر وسابح ودابب؟ قد يكون وكما تصدقه اللغة (٢) ولكنما الفاكهة والنخل والرمان لا تناسب إلا الانس والجان ،
__________________
(١) تقديم المفعول (الأرض) يوحي بالحصر ، بخلاف آية الانتفاع.
(٢) كما عن ابن عباس انه الجن ، وقال انه : الخلق ، ولما سئل عن الدليل استشهد بهذا الشعر :
فان تسألينا مم نحن فاننا |
|
عصافير من هذا الأنام المسخر |
وقال أيضا : كل شيء يدب على الأرض ، وقال : كل شيء فيه الروح (الدر المنثور ٦ : ١٤١).