وكما الامتنان في وضع الأرض وسواها خصهما : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فليكن الأنام هو الانس والجان ، فتعميمه لغيرهما غير فصيح ، كما اختصاصه بالانس غير صحيح ، وما دامت تعمه وغيره لغويا وسواه فلتكن ، وإلا فلما ذا لم يأت باسم الإنسان لو كان هو المخصوص كما في خلقه من صلصال كالفخار؟ : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ).
ويا لوضع الأرض لنا مهادا وقرارا ، من نعمة سابغة لا ندركها ، اللهم إلا حين يثير زلزال ، أو يحير طوفان ، أو يثور بركان ، فقد نشعر ونفكر في مدى عظيم النعمة لوضع الأرض لنا قرارا ، وجعل هذه المجنونة الفرار لنا ذلولا ، فما هي إلا هباءة سائحة سابحة في بحار الأجواء الواسعة لو لا وضعها العادل في حركاتها وبركاتها لساخت بأهلها الى دركاتها : «وعدل حركتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشم من صياخيد فسكنت على حركاتها من أن تميد بأهلها أو أن تسنح بحملها ...».
فهي محمولة بعمد لا ترونها ، في جادة فضائية ، جادّة في سيرها ، لو لا رحمة الرحمان لا نكفأ بنا الى الأعماق فلم يبق منا باق ، فسبحان الذي جعل الأرض للأنام :
(فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ. وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) :
الفاكهة ما تطيب به النفس وتستأنس من المأكول ، واختصت بما تثمره نبات الأرض ، كما الفكاهة حديث ذوي الانس.
واختصاص النخل بالذكر بين سائر الفاكهة ، لأنها قوت على كونها فاكهة ، ومن أفضل القوت وأفضل الفاكهة ، في حالتي اليبوسة والطراوة ، في حين أن سائر الفاكهة ليست قوتا إلا قليلا كالعنب والجوز ، كما وأن الحب ـ الشامل لسائر الحبوب ـ هي أفضل من النخل ومن الفاكهة ، فمثلث النعيم هذا يختلف في زواياها ، من الأدنى الى الأرقى : فاكهة ـ نخل ـ حب ، على أن للأولين