وإحراقها لهم (الْمُجْرِمُونَ) الذين أجرموا ثمار الحياة الانسانية قطفا لها قبل إيناعها أو قطعا لها عن آخرها (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ) ماء (حَمِيمٍ) : حار (آنٍ) :
منتهى الحمّة والحرارة ، طواف الاضطرار والاستغاثة : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) (١٨ : ٢٩) وليس المغاث به خيرا من المغاث منه ، فلذلك يطوفون في هذا البين حائرين ، وإذا كان ماءها في منتهى الحمام ، فكيف بنارها؟ سبحان العزيز العلام! فطواف المجرمين بين مختلف العذاب من الآلاء : عدلا على مستحقيه ، وفضلا للمؤمنين بل وللمجرمين أيضا يوم الدنيا إذ ينذرون به فينتفعون ، مهما كان لهم عذابا يوم الدين : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ثم وإليكم مواصفات الجنات التي هي آلاء بشرى لأهلها يوم الدنيا وواقعا يوم الدين :
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) :
هاتان الجنتان هما في جنة العدن الخلود : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٧٩ : ٤٠) وعلهما فيها الجنة الجسدانية والروحانية وهي اكبر : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٩ : ٧٢) (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) (٣ : ١٥) فكما ان خوف مقام الرب وتقواه مشتركان بين الروح والجسم ، فلتكن هكذا الجنتان ، أو هما فيها بستانان (٢) بما معهما من جنة المعرفة والرضوان ، أو انهما جنة الانس والجان. كل على حدة ، ولكنه خلاف المعروف من آي القرآن : من اشتراكهما في الجنان دون تباعد وانحياز ، وان «من»
__________________
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٤٧ ـ أخرج ابن مردويه عن عياض بن تميم انه سمع رسول الله (ص) قال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال : بستانان عرض كل واحد منهما مسيرة مائة عام فيها أشجار وفرعهما ثابت وشجرهما ثابت وعرصتهما عظيمة ونعيمهما عظيم وخيرهما دائم ولذتهما قائمة وأنهارهما جارية وريحهما طيب وبركتهما كثيرة وحياتهما طويلة وفاكهتهما كثيرة.