يشمل كل واحد ، لا كل اثنين أحدهما من الانس والآخر من الجان ، ومن مقام الرب قيامه الربوبي بالقسط : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) (٣ : ١٨) وقيامه بما نكسب : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (١٣ : ٣٣) وقيامه بكل متطلبات الحياة : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٣ : ٢) قيامات قيمات : قسطا في الحكم وقسطا في استنساخ الأعمال ، وقسطا في الجزاء ، فليس خوف مقام الرب إلا من قسطه العدل ـ لا القسط الظلم ـ من قيامه بالشهادة والحساب والعذاب ، ثم ومن مقام الرب قيام العبد في موقف الحساب : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٣ : ٦) فلمن خاف مقام ربه ، ومقامه عند ربه ـ جنتان : فلتحق لخائفه جنتان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ثم وكما الخوف من مقام الرب درجات كذلك جنتاه درجات ، ويعم درجات الخوف أن يتبنى حياته الخوف من مقام الرب ، دون اللامبالاة ، ومن أفضل الخائفين «من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويقول ويعلم ما يعمله من خير وشر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال (١)» ومن أدناهم من يقترف أحيانا بعض المعاصي ثم يتوب ، فهو من أهل الجنتين الدانيتين (٢).
__________________
(١) اصول الكافي عن أبي عبد الله (ع) في الآية .. ثم قال : فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
وفي كتاب الجنة والنار عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر الباقر (ع) في الآية : هو أن الرجل يهجم على شهوة من شهوات الدنيا وهي معصية فيذكر مقام ربه فيدعها من مخافته.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٤٦ ـ أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن منيع والحكيم في نوادر الأصول والنسائي والبزاز وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء ان النبي (ص) قرء هذه الآية فقلت : وان زنى وان سرق يا رسول الله (ص) فقال النبي (ص) الثانية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وان زنى وان سرق فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فقلت وان زنى وان سرق ، قال (ص) نعم وان رغم أنف ابن أبي الدرداء ، أقول : تصديق هذه الرواية لا تناسب إلا للجنتين الأخريين. لا الأوليين العاليتين ، ولعل ذلك خطأ من الراوي ان النبي (ص) قرء آية العاليتين (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) أو إنما يناسب (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ).