يبدو أنهم كانوا يتنافسون متهافتين على تناجي الرسول (ص) كلّ في شأن يخصه ، ليسمعه بالانفراد ، وكأوسمة شرف ، وهذا مما يخلق فوضى ، وليس بإمكان الرسول (ص) أن يقتسم أوقاته بين المتنافسين ، وله مهامّ جماعية ، وأوقاته الشريفة تعم الكل ، فلا تصلح مناجاته إلا في صالح الامة ، وليتضح لهم مدى اهتمامهم بنجواه ، لذلك كله يقرر الله ضريبة لمن يريد نجواه ، كصدقة تصرف في صالح الامة أيضا فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :
وذلك حينما أكثر الأغنياء مناجاة النبي (ص) وغلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره الرسول (ص) ذلك ، واستطالة جلوسهم وكثرة مناجاتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يأمرهم بالصدقة أمام المناجاة.
أما أهل العسرة فلم يجدوا فعفي عنهم ، ولكن الأغنياء بخلوا ، بين عاص في مناجاته دون صدقة ، وبين من ضنّ بها وترك مناجاته ، فنزلت الآية راشقة بسهام الملام ، ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الإقدام.
وفي هذا الأمر ونسخة تعظيم للرسول (ص) ونفع للفقراء ، وتمييز بين المخلص