فكما الواقعة يوم وقوعها تملك واقع البرهان الملموس على أنها واقعة ، كذلك هي الآن ، وطوال أيام الدنيا ، تملك من البراهين ، ما توضحها وضح النهار ، وكأنها الآن واقعة ، بما تمكّن من واقعها المستقبل من براهين ، وما تفرضها بعد إمكانيتها من براهين اخرى.
فلا يملك أحد من ناكريها يوم الدنيا أن يكذب بها خفضا عن شأنها ، أو رفعا ونكرانا لكونها وكيانها ، كما لا يملكون في الاخرى ـ ف :
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) : قيامة الإماتة والإحياء والمتأكدة (لَيْسَ) حينها (لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (١) من يبالغ في تكذيبها (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) لا تكذيب الخفض من دورها ، ولا رفعها إزالة لها ، كما و (لَيْسَ) الواقعة (لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) لا في الاخرى ولا الاولى «خافضة» لها أو «رافعة» ... بل هي ـ الواقعة «خافضة» لأقوام «رافعة» لآخرين.
فهي هي خافضة لمن ترفع دون حق ، ورافعة لمن تخفض بباطل ، دون أن يملك أحد خفضها هي أو رفعها ، إذ الملك يومئذ لله وله الحكم واليه يرجعون ، دون الدنيا الدنية التي أكثر ملاكها ظالمون ، خافضون دون حق ورافعون ، كما وأنها خافضة للسماء المرفوعة بأنجمها ، ورافعة للأرض المخفوضة بجبالها ، خفض الزلزال ورفعه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ).
ففي يوم الواقعة تختل الموازين والقيم الأرضية الواهية ، وتحتل مكانها القيم والموازين الإلهية ، بلا مؤاربة ولا مسايرة.
وترى ماذا يحدث اثر حدث الواقعة ، أو ماذا الذي يحدثها؟
__________________
(١) فاللام هنا للتوقيت ، وعلى الوجه الثاني للتعدية.