(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا. وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا).
... نموذج من مواصفات الواقعة في الأرض والجبال ، فرجرجة الأرض واضطرابها ، وانبساس الجبال وهباءها ، هذا وذلك من مئات المئات من واقعات الواقعة التي تشمل الأرض والسماوات ، فلا تبقي ولا تذر.
إن للأرض رجفات أربع ورجرجات : دائبة هي حركاتها المتداخلة المعدّلة ، وموضعيته هي زلازلها قبل الواقعة ، ومدمرة هي رجة الإماتة كما هنا ، ومعمرة هي رجة الإحياء بعدها ، ورجة الإماتة هي الهائلة المخوفة ، كما توحي لها «رجّا» تعني عظيما مهولا ، محولا للأرض إلى غير الأرض : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (١).
وبسّ الجبال إرساءها وتسييرها ـ (فَكانَتْ هَباءً) : ذرات في الهواء (٢) ـ وتفتيتها وبثّها فكانت (مُنْبَثًّا) كالعهن المنفوش ، أفهذه الجبال الراسية تتحول هباء ، بعد ما رست قواعدها في الأرض ، وعلت رؤوسها في الهواء؟ أجل ومع الأرض والجبال السماء.
ترى ثم ماذا بعد قيامة التدمير؟ انها قيامة الإحياء والتعمير ، وانقسام المكلفين الى أزواج ثلاث ، حسب الأعمال والقابليات :
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) : أقرانا تحشرون إلى الساهرة جنب بعض ، وإنما تثلثكم سيرة مفارقات الأعمال والنيات ، دون أن ينظر إلى صورة الأشكال أو مقارفات الأعمال ولمّا.
__________________
(١) راجع تفسير سورة الزلزال ج ٣ ، ص ٤٠٦ ـ ٤٠٧.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٦ أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب (ع) قال : الهباء المنبث رهج الذرات ، والهباء المنثور غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكرة.